سبعينات القرن العشرين في مصر، انفتاح وسياحة ونصر، بدأت مشاريع إعمار سيناء، تلك الارض البكر التى طالما دونت في دفاتر النسيان أما الآن فهي أمل جديد لمصر للسياحة والازدهار. وقد استحالت مساحات الرمال الصفراء إلى طرق وقرى وشواطئ وفنادق وظهرت في قلب الصحراء واحات جديدة تبدو كالجنة وسط نيران الصيف، ودرة هذه الجنات هي شرم الشيخ. انها فردوس يحق لكل سائح يبحث عن الرفاهية وجمال الطبيعة، كذلك هي فردوس لكل شاب مصري طموح يسعى لكسب رزقه، فهي حقل خصب لعاشقي المهن والتخصصات والخدمات الفندقية؛ المطاعم، السائقين، رجال الأمن وغيرها الكثير والكثير. وتوافد إليها الآلاف ممن يبحثون عن حياة جديدة في هذا الفردوس.
عبده هو أحد هؤلاء الشباب لم يبلغ بعد العشرين من عمره ينتمى لأحدى قبائل سيناء. ضجر الرعى والترحال وحياة البدو تعلم قيادة السيارات واستخرج الرخصة، وبدأ يبحث عن عمل كسائق في شرم الشيخ. وبالفعل تم تعيينه في إحدى شركات السياحة سائق بحافلة كبيرة، أتقن مهنته بسرعة وحفظ كل الطرق والأماكن في شرم الشيخ. وبمرور السنوات كبرت شرم الشيخ وانتشرت الفنادق والقرى وتطورت امكانياتها ومع كل هذا الزخم أصبح عبده السائق هو "عم عبده" عمدة الشرم كما يدعوه العاملين بشرم، فقد أصبح ليس موسوعة في الطرق وحسب وإنما ايضاً في درايته ومعرفته العميقة لفنادق شرم. إنه كحارس الجنة، يعرفها بدقة إن أردت قضاء أجازة ممتعة فأسال عم عبده – العمدة– يعرف الفنادق والأسعار والعروض والمميزات وحتى أصناف الطعام المقدمة بل بالأكثر سيختار لك الغرفة بنفسه فهو يعرفها جميعها، إنه حارس الفردوس كما يدعوه البعض ولكن أغرب ما يميز عم عبده انه لم يدخل يوماً هذا الفردوس الذى يحرسه، لم يدخل قط أى من الفنادق الكثيرة، لم يستمتع ابداّ بمياه شرم الشيخ ورفاهية الضيافة بها، والأغرب أن أحداً لم يمنعه يوماً، على العكس فهو مرحب به في أي وقت وفي كل مكان، ولكنه حرم نفسه من هذا النعيم دون أي سبب، فقد ظل عم عبده سنين طويلة أفضل سائق في شرم الشيخ يوصل الناس من كل جنس ولون إلى باب النعيم أما هو فلم يدخل، لم يأكل قط من ثمر هذا الفردوس ولا تذوق نعيمه.
ترى هل تعرف من يكون عم عبده؟ إنه من يوصل من حوله إلى نعيم الفردوس بينما هو مطروح خارجاً في الظلمة الخارجية. إنه ذلك الخادم الذي يصف للمخدومين طريق الملكوت بكل دقة أما هو فلا يسير فيه. يفسر كلمة الله الحية ولا يحياها. يتناول من جسد المسيح ودمه ولا يتحد بيه. يصلي ولا يكلم الله. يقرأ الكتاب ولا يسمع صوت المسيح. إنه ذاك الذي وصفه رب الجنود في رؤية يوحنا أنه الفاتر. يا ويلى أنا الفاتر فالرب مزمع أن يتقيأني ويلقيني عنه وعن رحمته، وأنا الجاني. فالباب أمامى مفتوح واحضان الآب تنادي أما أنا فأنادي كل بشر ليدخلوا ولا أدخل أنا... يا ويلى!
هل اعجبك الموضوع ؟

No comments :
Post a Comment